معركة كفار ديروم الثانية.. سباق الشهادة

بقلم: أ.عبد الحليم الكناني

مقدمة

سمحتْ الحكومةُ المصريةُ عامَ 1948م لبعض ضباط الجيشِ الراغبين في التطوّع للقتال في فلسطينَ بتحقيق رغْبتِهم وقبلتْ طلباتِ إحالتهم للاستيداع، وفتحتْ لهم مخازنَ الجيشِ المصري يتسلّحون منْ أسلحته، وانضمَّ هؤلاء الضباطُ بقيادة البكباشي أحمد عبد العزيز إلى المتطوعين من الإخوان، وتمَّ تنظيمُ قيادة المجموعة على النحو الآتي:

1- البكباشي أحمد عبد العزيز: قائدًا للقوات.

2- اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف: أركان حرب.

3- الملازم أول معروف الحضري: مساعد أركان حرب العمليات.

4- بكباشي زكريا الورداني: أركان حرب إمداد وتموين.

5- يوزباشي كمال الدين حسين: قائدًا لمدفعية الهاوزر.

6- ملازم ثان خالد فوزي: مساعدًا لقائد مدفعية الهاوزر.

7- يوزباشي حسن فهمي عبد المجيد: قائدًا للمدفعية المضادة للمصفحات.

8- ملازم ثان أنور الصيحي: مساعدًا لقائد المدفعية المضادة للمصفحات.

وكان معظمُ هؤلاء الضباط من "الإخوان المسلمون" أو محبيهم، كما كان جميعُ المقاتلين معهم من متطوعي "الإخوان المسلمون".

وصف المعركة وأحداثها

الشهيد أحمد عبد العزيز قائدًا عامًّا لقوات المتطوعين جنوبي فلسطين

فكّر القائدُ البطل أحمد عبد العزيز في مهاجمة واقتحام مستعمرة كفار ديروم، ولكن الإخوان حاولوا إثناءه عن ذلك لسابق تجربتهم في اقتحامها ومهاجمتها في 10/4/1948م؛ ولكنّه أصرَّ على خطته، فمَهّدَتْ المجموعةُ لدخول المعركة بمسحٍ شاملٍ لهذه المستعمرة، قام به الأخ عبد المنعم عبد الرؤوف، وعمليةِ استكشافٍ قام بها الأخُ لبيب الترجمان والأخ معروف الحضري، يساعدهم متطوعون آخرون، مثل الأخ عبد المنعم أبوالنصر، والأخ حسين حجازي، والأخ محمد عبد الغفار، وتم وضع خطة المعركة على أساسِ هذه المعلومات، واختيار الجنود الذين تَقرّرَ أن يشتركوا فيها.

وكانتْ مهمةُ اختيار الجنود مهمةً عسيرة؛ حيث يتسابقُ الإخوان للتطوع للجهاد في المعركة؛ حرصًا على نيلِ الشهادةِ في سبيلِ الله؛ وهو ما اضطَّرَّ القيادةَ إلى الاقتراع بينهم.

وأَعَدَّتْ مجموعةُ النسْفِ والتدميرِ-بقيادة الأخ إسماعيل الفرماوي- طوربيدات البنجالور لاستعمالها في فتح الثغراتِ لدخول المقتحمين، وهذا الطوربيد عبارةٌ عن ماسورةٍ من الحديد؛ قطرُها خمسةُ سنتيمترات، وطولها 130 سم، معبأةٌ بمادة الجلجانيت الشديدةِ الانفجار، ثم تقَرَّرَ تنفيذُ الهجوم على المستعمرة على النحو الآتي:

يتمُّ الهجومُ على المستعمرةِ من شرقها وجنوبها، وفي وقتٍ واحد، مع استعمال الوادي الواقعِ في الجنوب إلى المستعمرةِ كساتِر، واستُبْعِدَتْ جهةُ الغربِ لعاملين أساسيين:

أولًا: أنَّ أفكارَ اليهود مركزةٌ دائمًا على الجهة الغربية المطلة على الطريق الرئيسي.

ثانيًا: أنَّ الجهةَ الغربيةَ أرضٌ مكشوفةٌ مزروعةٌ شعيرًا، وليس بها أيُّ سواترَ يمكنُ أن يستتِرَ بها المهاجمون.

على أنْ يأخذَ رماةُ مدافعِ الهاون كمياتٍ كبيرةً من قنابل الدخان والقنابلِ شديدةِ الانفجار (ميلز) لسَتْر الهجومِ عند اللزومِ بقنابلِ الدخان، وإلحاقِ الخسائرِ المدمّرةِ بقنابلِ الميلز، وكان المسؤول عن هذا العمل هو الأخُ حسن الجمل.

تحركتِ السياراتُ من خان يونس إلى نقطةِ تجمّعٍ منخفضةٍ قٌربَ المستعمرةِ أثناءَ اللّيل وهي مطفأةٌ أنوارُها؛ حتى لا يشعرَ بها العدوُّ، ثم أخَذَ الجنودُ مواقعَهم المتفقَ عليها، حتى حان وقتُ ضربِ المدفعيةِ للمستعمرة، فأمَر الأخُ عبدُ المنعم عبدُ الرؤوفِ كلَّ القواتِ بالانبطاحِ أرضًا؛ حتى لا تصيبَهم شظايا قنابلِ المدفعية، واستمرَّ الضربُ لمدة عشر دقائق.

وفي يوم 11/5/1948م صدَرَتِ الأوامرُ لقاذفي الهاون دخان فأُطلِق، ثم أمر الأفراد بالتقدم السريع والاقتحام فهجموا وكأنهم على أجنحة طير، حتى اقتربوا من الأسلاك الشائكة بسرعةٍ أكبرَ من المتوقعة؛ ولكنَّ قنابلَ الدخان قد نفِدتْ بسبب عدم تقدير المسؤول أهمّيتَها، فلم يحملْ معه منها إلا صندوقًا واحدًا بدلاً من ثلاثة صناديق، مستكثرًا من القنابل شديدة الانفجار لضمانِ إلحاق خسائرَ أكبرَ بالعدو؛ ولهذا السبب لم تجدْ تعليماتُ اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف بإطلاق مزيد من قنابل الدخان، وانكشف المهاجمون للعدو، الذي زاد في انتباهه وتحفزه لضرب المدفعية من وراء جدر متحصنة ومسيطرة؛ وهو ما عرقل الهجوم.

وقد زاد في الارتباك أن عادتْ مدفعيتُنا للضرب دونَ أمر، بينما كان المهاجمون يتقدمون، فسقطتْ عليهم داناتٌ (قذائف المدفع) خاطئة، ضاعفت في عرقلة الهجوم؛ وهو ما حدا بالأخ عبد المنعم عبد الرؤوف أن يأمر القوات المهاجمة بالانسحاب إنقاذًا للموقف، وقد أُصيب الأخُ كمال عزمي بدانةٍ أثناء الانسحاب، ثم أُصيب وهو يُخرج المنديل ويربط جرحه؛ ولكنه ظل مبتسمًا صامتًا حتى تم سحبه من أرض المعركة حتى الوادي، حيث نقل على نقالة إلى مكان أمين.

أسباب التراجع والانسحاب

ولقد تسببت الأخطاءُ الآتيةُ في زيادة عدد الجرحى والشهداء من متطوعي الإخوان في هذه المعركة:

أولًا: تأخُّرُ ضرب المدفعية إلى الفجر، وكان المقرر أن يتم القذف قبل ذلك بكثير لاتخاذ الليل ساترًا طبيعيًّا للمهاجمين.

ثانيًا: كانت قنابل 2 رطل لا تؤثر في دشم (سواتر) العدو، حتى لو أصابتها، وذلك من متانة الدشم، فلا تترك إلا أثرًا أسودَ على جدرانها مكان الطلقة.

ثالثًا: لم يحْمِلِ الأخُ حسن الجمل ما يكفي من قنابل الدخان؛ وهو ما كشفَ المهاجمين في مواقعهم الحساسةِ على مشارف المستعمرة، وقد ظهرَ الصباحُ مع انعدام الساتر الطبيعي لهم، وهو ظلمة الليل، ممَّا عرَّضَهم لرشاشات العدو المباشرة.

رابعًا: عاودتِ المدفعيةُ ضربَها دونَ أن يُصدِرَ لها الأخُ عبد المنعم عبد الرؤوف الإشارةَ الحمراء المتفقَ عليها؛ وهو ما عرّض المهاجمين إلى داناتِ (قذائف) المدفعية المصرية؛ لأنهم كانوا مشتبكين مع العدو في أرض واحدة.

دروسٌ مستفادة من المعركة

يقول الأخُ المجاهدُ كاملُ الشريف: "إنّ تجربتَنا مع كفار ديروم قد انتهتْ بنا إلى أننا- لظروف تدريبنا وعُددِنا وأسلحتنا- لم نستطع أنْ نهاجمَ المستعمراتِ المحصنةَ، كان تحصينُ المستعمرات بالأسلاك الشائكة والألغام الأرضية والأبراج التي تتيح للمدافعين مجالَ الرؤية والرماية على مسافاتٍ طويلة، وكذلك وجودُ نظامٍ دفاعيٍّ قوي يسمح باستمرار المقاومة، حتى بافتراض أنَّ المهاجمين نجحوا في اختراق العوائق واحتلالِ أجزاءَ من المستعمرة، يضافُ إلى ذلك أيضًا أنّ هذه المستعمراتِ تُعتبرُ وحدةً دفاعيةً كاملة؛ بمعنى أن الخطة الإسرائيلية الصهيونيةَ العامةَ قد وَضعتْ نظامًا للتموين والإمدادات يسمحُ لها بأنْ تصمدَ لوقت طويل في فترات الحصار والعزل.

ونوجز خطتنا المقبلة فيما يأتي:

أولًا: استدراج سكان المستعمرات للأرض المكشوفة، وإرغامهم على القتال فيها.

ثانيًا: فرض الحصار على المستعمرات، وإرهاقها بأعمال الإزعاج والقنّاصة.

ولقد سلكنا لتحقيق هذين الهدفين سُبُلاً شتّى، منها: قطع طرق المواصلات، وإقامة الكمائن، ونسف أنابيب المياه، وضرب المشاريع والمنشآت المنعزلة.

أمّا عن مستعمرة كفار ديروم، فقد ألزمْناها بحصارٍ محكَمٍ وإزعاج، ولسْتُ أشكُّ في أنَّ سُكّانَها تعرضوا لأنواع شتى من الضّيق والآلام، حتى اضطُّروا لإخلاء المستعمرة بعدَ تدميرها، وكان ذلك نجاحًا بارزًا لخطتنا التي تقومُ على الحصار من ناحية، والاستدراجِ للأرض المكشوفة من ناحية أخرى.

نهاية المعركة: جرحى وشهداء

استمرت المعركةُ مع الخيط الأول للفجر، واستمرتْ حتى الظهرَ حين تمَّ الانسحابُ إلى الوادي، ومن هناك نُقلَ الجرحى إلى المستشفى، وجُرِحَ في هذه المعركة أكثرُ من ثلاثين مجاهدًا، منهم:

- البكباشي معروف الحضري

- كمال عزمي

- ملازم لطفي ميره

- محمد فؤاد إبراهيم

- عبد الحميد غالي

- سالم حسن سالم

قائمةُ الشهداء

استشهد في هذه المعركة 46 شهيدًا، وكانت قائمة الشهداء تضم هؤلاء الإخوان الكرام:

1.     نور الدين الغزالي

2.     محمد محمد كرم حسين

3.     رشاد محمد مرسي

4.     محمود عبد الجواد أحمد

5.     محمد حسن العناني

6.     عبد الوكيل حسن العناني

7.     جميل أنور الأعسر

8.     محمد عثمان بدر

9.     محمد عثمان عبد الله

10.    هارون عبد العزيز حسان

11.    محمود إبراهيم السيد

12.    محمد كامل بيومي

13.    السيد فرج السيد

14.    علي متولي خليل

15.    عبد العزيز إسماعيل

16.    محمد حسن علي

17.    فتحي محمود مراد

18.    حسن صالح أبوعيسى الكواكبي

19.    محمد عبد الحي عبد الله

20.    عبد الحميد حسنين

21.    عبد الظاهر سلمان

22.    مصطفى حسن المزين

23.    مصطفى عبد المطلب عبد الحميد

24.    محمود شعبان

25.    عدلي محمود شيش

26.    زين العابدين عوض الله محمد

27.    جابر عبد الجواد

28.    أمين محمود سليمان

29.    جمال الدين أحمد إدريس

30.    علي حسن بركات

31.    مصطفى شديد

32.    محمد مختار حمزة

33.    عبد الرازق أبو السعود

34.    محمد إبراهيم رضية

35.    عبد السميع قنديل

36.    أحمد محمد السيد

والباقون لا نعلمهم.. ولكن الله يعلمهم

المصدر: إخوان ويكي


لا يوجد صور متاحة


مقالات أخرى قد تهمك