الإخوان المسلمون والقضية الفلسطينية - 11- عنصرية الإخوان ضد اليهود والصهاينة

بقلم: د/ صفوت حسين: كاتب ومحلل سياسي "بتصرف"

الإخوان المسلمون والقضية الفلسطينية

"1936 – 1949"

 

 

عنصرية الإخوان ضد اليهود والصهاينة

أمّا عن اتهام الإخوان بالعنصرية ضدَّ اليهود والصهاينة والدعوةِ لحرب دينية بين اليهود والمسلمين، فمن الواضح أنّ هذه الاتهاماتِ قامت على تفسيرٍ غيرِ صحيح لمفهوم الحرب الدينية، وكذلك لحديث الإخوان عن اليهود وموقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم والدولة الإسلامية.

أمّا حديثُ الإخوان عن الحرب الدينية وما يَذكُره البعضُ أنَّ الإخوان حوّلوا المعركة في فلسطين إلى صراعٍ بين المسلمين واليهود فمن الواضح أنَّ مفهومَ الحرب الدينية الذي رَفَعَهُ الإخوانُ لم يكن موَجّهاً إلى اليهود في فلسطين كيهودٍ بل كمغتصبين ومعتدين؛ وقد أوضح حسنُ البنا خمسةَ أغراض للحرب في الإسلام والتي سَبَقَ ذِكرُها، والتي تنطَبِق على حالة الحرب مع الصهاينة لرد عدوانهم ودفاعا عن النفس، فمن الممكِن أنْ تكونَ الحربُ الدينيةُ ضدَّ فئةٍ من المؤمنين، وقد أوضح البنا أنّ من أغراض الحرب في الإسلام قتالَ الفئة الباغية التي تتَمَرَّد على أمر الله، وتأبى حُكمَ العدل والإنصافِ مصداقاً لقول الله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإنْ بَغَت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله؛ فإنْ فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} الحجرات: 9.

وقد أَوضَحَ حسنُ البنا بجلاء أنّ "خصومتنا ليست دينيةً لأنّ القرآنَ الكريم حَضَّ على مُصافاتهم ومصادقتهم".

أمّا حديثُ الإخوان عن تاريخ اليهود فمن الواضح أنَّ الإخوانَ قد ركّزوا على ما ذكره القرآنُ مِنْ صفاتهم المرزولة، والحديث عن عدواتهم للرسول عليه السلام كقول الله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون} المائدة: 82.

وقد استخلَصَ البنا في ضوء سيرتهم في الماضي والحاضر "أنّهم أبناءُ آبائهم أحلاسُ فتنة، ومواقدُ شرور، وطعامُ ثورات، يعادون الإيمان، وينفرون من دعوة الخير...... ويقفون حجرَ عثرة في سبيل التقدم البشري....".

وقد حفلت صحافةُ الإخوان بالحديث عن تاريخ اليهود ومؤامراتهم ضدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، ومكائدهم منذ عصر الخلفاء الراشدين حتى العصر الحديث، ويُؤكِّد الإخوانُ بأنَّ "على المسلمين جميعاً أن يتدبّروا هذه الآيات والأخبار، وأن يُلقّنوها لأولادهم ويذكروا لهم معانيها، ويُلقّنوها لكلِّ فرد من المسلمين كباراً وصغاراً، ورجالاً ونساءً بواجب دَفْعِ كيد اليهود وبُغضهم ورده إلى نحورهم".

وبسبب هذه الخلفية، فإنَّ الإخوانَ المسلمين يعتقدون بأنّ "اليهود أعداء المسلمين التاريخيين وأشد الناس كراهية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم "1.

لقد لجأ الإخوانُ إلى استدعاء الجانب الديني المتمثل في العديد من السور والآيات التي تناوَلتْ بني إسرائيل، والجانبَ التاريخي المتمثل في عدائهم للإسلام والمسلمين على مَرِّ التاريخ وذلك لمواجهة الادّعاءات الدينية للصهاينة التي اتخذوها ستاراً لتغطيةِ حركتهم الصهيونية، فالبرغم مِنْ أنَّ الصهاينةَ - كما سبق الإشارةُ إلى ذلك- هي حركةٌ سياسية إلا أنّها تدثَّرت برداء الدين، ولجأتْ إلى توظيف النصوص الدينية للتوراة سواء كانت مُحرّفة، أو في أفضل الأحوال أُسيء تفسيرُها لخدمة المخططات الصهيونية السياسية مثل الحديث عن شَعْب الله المختار والعودة إلى أرض الميعاد والوعد الذي منحه لهم الرَّب بأنْ يعطيَهم أرضَ فلسطين.

ومن المهمّ الإشارةُ إلى الموقف الذي اتَّخذَهُ الإسلامُ مِنْ أهل الكتاب، فالبرغم من حديث القرآن عن اليهود واعتقاداتهم الخاطئة، وكذلك الأمر بالنسبة للنصارى إلا أنَّ الإسلامَ فَصَلَ بين هذه الاعتقادات الخاطئة، وهي أمورٌ تَمَسُّ العقيدةَ؛ أيْ أنّها قضيةُ إيمان وكفر، وبين معاملة النصارى واليهود فقد سمّاهم القرآنُ بأهل الكتاب وكفل لهم العيشَ بأمان في ظل الدولة الإسلامية، ولذلك رغم كثرة السور والآيات التي تتحدث عن اليهود ومواقفهم من أنبيائهم ومن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عاشوا في أمان في ظل الدولة الإسلامية ولم يتعرضوا للاضطهاد والتعذيب مثلما حدث لهم في أوروبا بل وتَوَلَّوا العديدَ من المناصب في الدولة الإسلامية، وعندما تعرّضوا للاضطهاد ومحاكم التفتيش في الأندلس بعد سقوط الدولة الإسلامية هناك لم يَجِدوا الأمنَ إلا في ربوع العالم الإسلامي.

فالحديث عن اليهود وعدائهم للإسلام وهو المخزون الذي استدعاه الإخوانُ لمواجهة المخططات الصهيونية والادّعاءات الدينية المزعومة، وتوضيح خطورة اليهود كان سلاحاً لمواجهة اليهود المعتدين من صهاينةٍ أو مؤيدين لمخططاتهم ولم يكنْ مُوَجَّهاً كدعوةٍ عنصرية ضدَّ اليهود بصفة عامة.

ولذلك فإنَّ الحديث عن نزعةٍ عنصرية ضدّ اليهود استدلالاً بحديث الإخوان عن اليهود وعدائهم للإسلام أو مهاجمة الإخوان للصهيونية بعبارات قاسية استدلالٌ غير دقيق، وعلى سبيل المثال فإنَّ عواطف عبد الرحمن تستشهد عن عنصرية الإخوان بما جاء في صحيفتهم من أنّ "الصهيونيين أقذرُ شعب وُجِد على ظهر الأرض، وهو مجموعةٌ من الخونة والمخربين"، فمثل هذا القول من الواضح أنّه مُوَجَّه للصهاينة الذين يريدون أن يَقتلعوا شعباً من أرضه بالعنف والإرهاب، فماذا ينتظر أنْ تصِفَ الصحيفةُ الصهيونيةَ بغير هذه الأوصاف؟!

وبالرغم من حرص بعض الكتابات الإخوانية على استخدام لفظ الصهيونية والصهيونيين إلا أننا نجِدُ كتاباتٍ أخرى تتحدث عنهم باستخدام لفظ اليهود، ومِنَ الواضح أنّ استخدامَ كلمة اليهود كان ينصبُّ على اليهود في فلسطين أو اليهود المعتدين المساندين للفكرة الصهيونية، وربما يوضِّح ذلك ما حدث في قضية السيارة الجيب عندما كان محمود لبيب وكيلُ جماعة الإخوان يُدلي بشهادته في القضية وتحدَّثَ عن دور المتطوعين في القتال ضد اليهود، فتدخل المحامي زكي عريبي -وهو محامٍ يهوديٌّ كان ضِمْنَ هيئة الدفاع عن الإخوان في القضية- قائلاً: " بلاش تسمية اليهود؛ قُلِ الصهيونيين"، فما كان من محمود لبيب إلا أنْ قال: "صحيح، الصهيونيين، أستغفرُ الله"2.

من العرض السابق لحقيقة موقف الإخوان من اليهودية والصهيونية يتضح الآتي:-

  • إنّ الإخوانَ قد فرَّقوا بين اليهودية كَدِينٍ وبين الصهيونية كحركةٍ سياسية، وإنّهم ميَّزوا بين اليهودي كصاحب دين والصهيوني المنتمي لحركة سياسية.
  • إنَّ الإخوانَ -مَعَ أنهم ميزوا بين اليهودي والصهيوني على الصعيد النظري- إلا أنّ بعض كتاباتهم اعتَبرتْ كلَّ يهودي صهيونياً، وكلَّ صهيوني يهودياً، وقد جاء ذلك انطلاقاً من اعتبارٍ عمليٍّ نابعٍ من موقِف اليهود -خاصةً في مصر- المساندِ للصهيونية، والذين كانوا يرفعون في نفس الوقت شعارَ التمييز بين الصهيونية واليهود للتغطية على نشاطهم الصهيوني.
  • إنّ الإخوان تعاملوا مع اليهود انطلاقا من قول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم مِنْ دياركم أنْ تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} الممتحنة: 8، 9.

وقد رأى الإخوانُ أنَّ اليهودَ في مصر بتأييدهم للنشاط الصهيوني قد ظاهروا المسلمين بالعداء.

  • إنّ الحربَ الدينية التي دعى لها الإخوان في فلسطين هي حربٌ ضدَّ معتدين ومغتصبين يهود، وليس ضدَّ اليهود كأصحاب دين.
  • إنَّ تركيزَ الإخوان على إبراز الجانب الديني في الصراع ينطلق من الوضع الديني لبيت المقدس بصفةٍ خاصة، وفلسطينَ بصفة عامّة، كذلك رداً على مزاعم اليهود الدينية في القدس والحديث عن إعادة هيكلهم المزعوم.
  • إنَّ الإخوانَ قد استعملوا كلمةَ الصهيونية والصهيونيين في كتاباتهم كما استعملوا كلمةَ اليهود، ومن الواضح أنّ استعمالَهم كلمةَ اليهود كان يعني اليهودَ في فلسطين وبصفة عامّة كان المقصودُ بها اليهودَ الصهاينةَ والمساندين لهم.
  • إنَّ الإخوانَ طالَبوا يهودَ مصر مراراً باتخاذ موقفٍ واضح لا لُبْسَ فيه تأييداً لعرب فلسطين، ولكنهم تجاهلوا دعوةَ الإخوان ولم يَقُمْ حاخام اليهود بالردِّ على خطاب حسن البنا في هذا الصَّدد.
  • إنَّ رؤيةَ الإخوان من اليهودية والصهيونية والعلاقةِ بينهم غيرُ واضحة لدى بعض المنتمين لهذه الجماعة، ولذلك نجد كتاباتهم لا تُفرِّقُ بين اليهودية والصهيونية، وتَعْتَبِر أنَّ ما يجري في فلسطين هو صراعٌ بين الإسلام واليهودية"3.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محمد حسنين هيكل : زيارة جديدة للتاريخ، ط6، القاهرة، 1987، صـ200- 202.

(2) عبد الفتاح العويسي: المرجع المذكور، صـ33- 35، إبراهيم البيومي غانم: المرجع المذكور، صفحات 477، 492.

(3) محمود عبد الحليم : المرجع المذكور، ج2، صـ227.


لا يوجد صور متاحة


مقالات أخرى قد تهمك