الإخوان المسلمون والقضية الفلسطينية -10 - هل كان الإخوان على وعي بالنفوذ اليهودي والنشاطات الصهيونية لليهود المصريين؟

بقلم: د/ صفوت حسين: كاتب ومحلل سياسي "بتصرف"

الإخوان المسلمون والقضية الفلسطينية

"1936 – 1949"

 

 

هل كان الإخوان على وعي بالنفوذ اليهودي والنشاطات الصهيونية لليهود المصريين؟

وهناك سؤال يَطرح نفسَه وهو: هل كان الإخوان على وعي بالنفوذ اليهودي والنشاطات الصهيونية لليهود المصريين؟.

من الواضح من كتابات الإخوان الوعيُ بخطر اليهود في مصر ونشاطهم الصهيوني، كما أنَّ إنشاءَ النظامِ الخاصِّ في الجماعة، والذي كان يحتوي على قسمٍ للمخابرات، أتاحَ للجماعة فرصةَ الوقوف على نشاط اليهود في مصر من خلال تتبع ومراقبة هذا النشاط، وقد قام النظامُ الخاص بدور كبير في عملية حصرٍ وجردٍ لليهود بمصر "إذ لم يكن ولاؤهم للحركة الصهيونية محلَّ شك".

وقد احتوت الأوراقُ التي وَقَعَتْ في أيدي البوليس في قضية "الجيب" على كثيرٍ من التقارير التي احتوَتْ على أسماءِ المصانع والمتاجر التي كان يملكها اليهود، أو كان يَرأس مجلسَ إدارتها مصريٌ بينما كان أعضاءُ مجلسِ الإدارة من اليهود، كما احتوت الأوراقُ على تقاريرَ حول تحركات اليهود واجتماعاتهم1.

لقد اتَّخذ الإخوانُ موقفاً عدائياً من اليهود في مصر، فهل كان هذا الموقفُ نابعاً من عدم إدراك الفرق بين اليهودية كدِينٍ والصهيونية كحركةٍ سياسية؟

إنَّ أهم انتقاد يوَجَّه للإخوان أنّهم لم يدركوا الفرقَ بين اليهودية كَدِينٍ والصهيونية كحركة سياسية، وأنّهم اعتَبروا كلَّ يهودي صهيونياً، وقد تفرَّع من ذلك انتقاداتٌ أخرى للإخوان كالعنصرية والدعوة للحرب الدينية ضد اليهود.

إنَّ الكتاباتِ المختلفةَ للإخوان تُوَضِّح أنّهم أدركوا الفرقَ بين اليهودية والصهيونية، وكما مرَّ بنا فَقَدْ أدرَكَ الإخوانُ حقيقةَ الصهيونية كحركةٍ سياسية وعلاقتَها بالاستعمار، وقد أوضَحَ ذلك حسنُ البنا بوضوحٍ خلالَ حديثِه أمامَ لجنة التحقيق البريطانية الأمريكية عام 1946م، حيث ذَكَرَ "أنّ خصومتنا لليهود ليست دينيةً... ونحن حين نُعارض بكل قوة الهجرةَ اليهودية نعارضها لأنّها تنطوي على خطر سياسي اقتصادي، وحقُّنا أنْ تكونَ فلسطينُ عربيةً".

وقد عرَّف الإخوانُ الصهيونيةَ اليهودية بأنها حركةٌ سياسية استعمارية غايتُها طردُ العرب من ديارهم باستعمار أرضهم وهدم وحدتهم وتأسيس مُلْك لليهود فوقَ أطلال ملكهم، وأنها ثمرةُ تدابيرَ "اليهودية العالمية"؛ التي تهدف إلى تسخير العالم كلِّه لحكم مسيح صهيون ومصلحة اليهود2.

ولكنْ إذا كان الإخوانُ قد فرَّقوا بين اليهود كأصحاب ديانة واليهودِ كصهاينةٍ يَنتمون لحركةٍ سياسية فما الذي دفعهم إلى اتخاذ الموقف العدائي من اليهود المصريين؟

يبدو أنَّ موقفَ الإخوان من اليهود في مصر جاء تطبيقا للقاعد القرآنية {إنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّين وَأخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ وَظاهَرُوا عَلى إخْرَاجِكُمْ أنْ توَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فأولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الممتحنة: 9.

فقد كان للموقف العدائي لليهود في مصر ودعمهم للمشروع الصهيوني بكافة الوسائل دافعٌ للإخوان لاتخاذ موقفٍ عدائي منهم، وقد أوضَحَ حسنُ البنا أنّ "اشتراكهم الفعلي في مد العصابات الصهيونية بفلسطين بكل صنوف المساعدة" جَعَلَ الإخوانَ يطَبِّقون عليهم الشطرَ الثاني الخاصَّ بغير المسالمين؛ وهو: "فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يُردُّ به عدوانُ المعتدين"3.

وقد أخذ الإخوانُ يُحذّرون من خطر اليهود في مصر؛ فنشرت مجلةُ النذير سلسلةً من المقالات للشيخ مصطفى الرفاعي اللبان تحت عنوان "خطر اليهود في مصر" حذَّر فيها من سيطرة اليهود الاقتصادية على الذهب والفنادق الكبرى والعقارات والأملاك، ونبّه للدور الخطير الذي تقوم به شركةُ الإعلانات الشرقية، من خلال تحكمها في الإعلانات، وقيامها بمنح ومنع الإعلانات حسب اتجاه الصحف وموقفها من اليهود" ومن الظواهر الدالة على ذلك ما نشاهده من إحجامِ الصحف عن نصرة الحق الإسلامي مادام يتعارض مع مصلحة اليهود"4.

لقد أدت رؤية الإخوان لطبيعة الحركة الصهيونية كحركة استعمارية إلى الطلب من المسيحيين المصريين الوقوفَ مع أهل فلسطين في قضيتهم، وكذلك الطلب من حاخام وكبار الطائفة اليهودية في مصر الإعلان عن مشاركتهم لمواطنيهم من أبناء الأمة المصرية في كفاحهم القومي الذي اتخذوه مسلمين ومسيحيين لإنقاذ فلسطين5.

ففي رسالةٍ موجهة من حسن البنا إلى بطريرك الأقباط عام 1936م يدعوه لمساعدة الفلسطينيين بما تَبَقّى من أموال لجنة مساعدة الحبشة، يَذكر البنا "أنَّ فلسطينَ الشقيقة العزيزة مهدَ الشرائع والأنبياء قد بَطَشَتْ بها القوةُ الغاشمة، فانسالت دماءُ أبنائها من المسلمين والمسيحيين على السواء"، ويوضّح البنّا أنّ هدفَ اليهود الاستيلاءُ على بيت المقدس، والأماكن المقدسة "التي أجمع المسلمون والمسيحيون على تقديسها وإكبارها والذود عنها"6.

وتُخاطِب مجلةُ الإخوان "كل مسيحي حر أن يبادر أيضاً بتقديم كل عون إلى عرب فلسطين الذين حافظوا بأمانة وشرف على كنيسة القيامة وعلى بيت لحم، وإنَّ ألدَّ أعداء المسيحيين "اليهودُ"- لو كانوا يعملون-، إنّنا نُوجّه الخطابَ إلى كل مسلم والى كل مسيحي أن يبادرَ بالعمل بأي صورة على إحباط مشروع الصهيونية"7.

وقد حرص البنا على مخاطبة المواطنين المسيحيين من أجل العمل من أجل فلسطين، وقد شارك المسيحيون في المظاهرة الكبرى لتأييد فلسطين في ديسمبر 1947م، والتي أعدَّ لها الإخوانُ، ونشَرَتْ جريدةُ الإخوان صورةً تجمع بين العلماء المسلمين ورجال دين أقباط8.

أمّا اليهودُ في مصر فقد دعاهم الإخوانُ لمشاركةِ مواطنيهم المسلمين والمسيحيين في موقفهم من قضية فلسطين، وتوضّح كتاباتُ الإخوان التي تناوَلت "موقفَ اليهود" حقيقةَ موقفهم من يهود مصر.

ففي مقالةٍ مطولة لصالح عشماوي عام 1938م بعنوان "اليهود في مصر وموقفهم من قضية فلسطين" يتحدّث عن إنَّ اليهودَ يسكنون العالمَ العربيَّ في سلام ويحتكرون التجارةَ والمال، ويتشبّثون بالبلاد التي يقطنون بها.

ومع ذلك فقد بقُوا جامدين لا يتحركون أمام الجرائم التي تُرتكب في فلسطين بل إنّهم مغتبطون لهذه الجرائم ويرسلون التبرعاتِ، وإن تظاهروا بالوقوف على الحياد وأنّ الاستثناءَ الوحيد من هذا الموقف الغامض كان موقفُ يهود العراق الذين أعلنوا صراحةً تأييدَهم للأمة العراقية في موقفها من قضية فلسطين، ولا يعنينا أن يكون اليهود قد فعلوا ذلك جبناً أو عقيدةً فالعقيدة مكانُها القلبُ، والقلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء، ثم يتحدث عن يهود مصر الذين ينعمون بالثروة والرخاء، وأنّ المسلمين والأقباط قد ثاروا وعقَدوا الاجتماعاتِ والمؤتمرات من أجل فلسطين، بينما لم يتحرك اليهود "أروني يهودياً حضر اجتماعاً أو ساهم في مؤتمر فلسطين ودلوني على يهودي سار في مظاهرة أو أرسل احتجاجاً على الأعمال الإجرامية في فلسطين واذكروا لي يهودياً جمع مالاً أو تبرعا للمجاهدين العرب في فلسطين".

ويَذكر أنّ أحدا لم يتحرك، وأنّ كلَّ ما حدث عندما خاف اليهودُ على مصالحهم في مصر كان قيامَ قطاوي باشا بإرسال خطاب إلى علوبة باشا يَذكر فيه أنّ موقفَ اليهود في مصر سيكون مماثلاً لموقف الحكومة المصرية، ثم تحدث صالح عشماوي عن الموقف الواضح للحكومة المؤيد للقضية الفلسطينية، وأنّه لم يَبقَ عذرٌ لقطاوي باشا في عدم تحديد موقفهم، وأنّ البيان الذي نشرته الصحف لأحد المحامين اليهود في الإسكندرية وهو زكي العريبي والذي جاء فيه أنّ اليهوديةَ شيءٌ والصهيونيةَ شيءٌ آخر، فالأُولى دينٌ والثانيةُ مذهبٌ سياسي، وأنّ يهودَ مصر لا يعرفون لهم وطنا غير مصر، بيانٌ غير كافٍ، وأنّ الجرائد اليهودية الناطقة بالفرنسية في مصر قد حملت على البيان وصاحبِه، وذكَرَتْ أنَّه لا يُمَثِّلُ إلا نفسه، أمّا البيانُ الذي صدر في الصحف بإمضاءِ "طلبة الجامعة اليهود" فهو غير كافٍ -أيضا- حيث لا يوجد توقيعٌ بأسمائهم، كما أنّ طلبةَ الجامعة لا يمثلون اليهودَ. وفي نهاية المقال يَطلب من اليهود تحديدَ موقفهم بوضوح وأنْ يتخذوا موقفاً واضحاً وصريحاً لتأييد الفلسطينيين: "لا يا سادة لا نريد عبثاً ونفاقاً، لا نريد خداعاً وتمويهاً. نريد من زعماء اليهود -دينيين ومدنيين- ومن رؤساء العشائر منهم أنْ يُعلنوها كلمةً صريحةً يتنصلون فيها من الصهيونية، ويُعلنون انضمامَهم إلى المصريين في المطالبة بإنصاف العرب وحلِّ القضية الفلسطينية على الوجه الذي يرضيهم، وأنْ ينشروا هذا الإعلانَ على صفحات جرائدهم اليهودية في مصر، فضلاً عن الجرائد الأخرى وأن يبلّغوا الحكومةَ الانجليزية والى المركز الرئيسي للجمعيات الصهيونية.. ويطالبهم بتقديم دليل عملي بالتبرع بما يتناسب مع ثروتهم ... وبهذا وحده تُبَرَّأُ ذمةُ اليهود في مصر، فإذا لم يفعلوا كان لنا الحقُّ أنْ نعتقدَ في أنَّهم صهيونيون يؤيدون الإنجليز في فظائعهم في فلسطين"، ثم يتحدث بعد ذلك عن إرسال اليهود التبرعاتِ للصهاينة ويطالبهم بالمبادرة بإعلان موقفهم وإلا "فسنقاوم الانجليزَ واليهودَ في مصر وفي فلسطين"9.

إنّ هذا المقالَ الذي تَعَمَّدْتُ عَرْضَ فقراتٍ مطولةٍ منه يوضح بجلاء موقفَ الإخوان من اليهود في مصر، والعواملَ التي جعلتهم يأخذون موقفاً عدائياً منهم.

وفي مقال آخر عام 1945م يؤكّدُ فيه الإخوانُ على نفس المعاني وأنَّه يجبُ على اليهود في البلاد العربية أن يتنصلوا من الصهيونية ويستنكروها بالأفعال لا بالأقوال حتى يتَّضحَ إذا كانوا صهيونيين أم عرباً، لأنّه كلما اشتدت الأزمةُ تظهر أصواتٌ خافتة مكبوتة من بين اليهود تُذَكّر أنهم مصريون ولا شأن لهم بالصهيونية، بينما الواقع يؤكد أنهم لا يقدمون أيَّ مؤازرة في الملمّات، ويَذكر الكاتبُ على سبيل المثال أنّه تمَّ تأليفُ لجنة في حزيران - يونيو1945م لإغاثة منكوبي سوريا ولبنان برئاسة علي ماهر، فأحجَمَ اليهودُ عن مساعدتها، بل قال بعضُهم – كما يذكر الكاتب- لبعض أعضاء اللجنة من الإخوان عندما طلبوا منهم التبرع: "أتريدون أن نُعطيَكم مالاً لتبتاعوا سلاحاً تضربوننا به في فلسطين"10.

وفي أواخر عام 1947م يُرسل حسنُ البنا خطاباً إلى حاخامِ وكبارِ الطائفة الإسرائيلية، ونظراً لأهمية هذا الخطاب، وتعبيرِه عن موقف الإخوان من يهود مصر ننقُل نصَّهُ كاملاً:-

"فقد قرأتُ بجريدة (أخبار اليوم) وجريدة (الزمان) أمس أنّ الحكومة المصرية قد اتخذت التدابير اللازمة لحماية ممتلكات اليهود ومتاجرهم ومساكنهم..... الخ. فأحببتُ أنْ أنتهز هذه الفرصة لأقول إنّ الرابطة الوطنية التي تربط بين المواطنين المصريين جميعا على اختلاف أديانهم في غنى عن التدبيرات الحكومية والحمايات البوليسية، ولكن نحن الآن أمام مؤامرة دولية مُحْكمة الأطراف تغذيها الصهيونية لاقتلاع فلسطين مِنْ جسم الأمة العربية وهي قلبها النابض. وأمامَ هذه الفورة الغامرة من الشعور المتحمس في مصر وغير مصر من بلاد العروبة والإسلام، لا نرى بُداً من أنْ نُصارح سيادتَكم وأبناءَ الطائفة الإسرائيلية من مواطنينا الأعزاء بأنّ خيرَ حمايةٍ وأفضلَ وقايةٍ أنْ تتقدموا سيادتكم ومعكم وجهاءُ الطائفة فتعلنوا على رؤوس الأشهاد مشاركَتَكم لمواطنيكم من أبناء الأمة المصرية مادياً وأدبياً في كفاحهم القومي الذي اتخذوه - مسلمين ومسيحيين - لإنقاذ فلسطين، وأنْ تُبرقوا سيادتكم قبل فوات الفرصة لهيئة الأمم المتحدة والوكالة اليهودية ولكل المنظمات والهيئات الدولية والصهيونية التي يهمها الأمرُ بهذا المعنى، وبأنّ المواطنين الإسرائيليين في مصر سيكونون في مقدمة مَنْ يحمل عَلمَ الكفاح لإنقاذ عروبة فلسطين.

يا صاحبَ السيادة:

بذلك تكونون قد أدّيتم واجبَكم القومي كاملاً، وأزلتم أيَّ ظلٍّ من الشك يريد أن يلقيَه المغرضون حول موقف المواطنين الإسرائيليين في مصر، وواسيتم الأمّةَ كلَّها والشعوبَ الإسلامية في أعظم محنة تواجهها في تاريخها الحديث ولن ينسى لكم الوطنُ والتاريخ هذا الموقفَ المجيد"11.

إن هذه الكتاباتِ توضح بجلاء أنَّ الإخوانَ كانوا على وعي تامٍّ بالدور الصهيوني ليهود مصر، والذي سبق الحديثُ عنه، وأنَّ موقفَ يهودِ مصر قد اتَّسم بالغموض والمراوغة من الناحية الرسمية؛ فلم يتخذوا موقفاً واضحاً ولو ظاهرياً مؤيداً لعرب فلسطين وأنَّ الإخوانَ قد حرصوا على دعوة اليهود لمشاركة أبناء الأمة المصرية جميعاً في جهودهم لإنقاذ فلسطين. ولكنّ يهودَ مصر لم يستجيبوا لهذه النداءات، وهو الأمرُ الذي رسَّخَ الشكوكَ التي انتابت الرأيَ العامَّ في مصر حول حقيقة موقفهم وتأييدهم للصهيونية، وبدلاً من أنْ يتخذ اليهودُ خطواتٍ واضحةً لإثبات انتمائهم وولائهم لوطنهم لجؤوا بدلاً من ذلك إلى رفع شعار التفرقة بين الصهيونية كحركة سياسية واليهودية كَدِينٍ.

وقد ذَكَرَتْ إحدى صحفهم في يناير 1948م رداً على غضب الرأي العام في مصر نحوهم: "لقد عمدَتْ بعضُ الصحف إلى إعلان حرب سافرة على يهود مصر تمشياً مع الحملة القائمة على الصهيونية، ولم تقبل تلك الصحفُ التفريقَ بين الصهيونية كحركة سياسية واليهودية كدين، وراحت تلك الصحفُ تتَّهمُ كلَّ جمعية إسرائيلية في مصر -ولو كانت خيريةً- بأنها تعمل للصهيونية وترسل ملايين الجنيهات إلى الصهاينة، ونتساءل كيف اكتشفت تلك الصحف أنَّ يهودَ مصر صهاينةٌ في هذه الأيام؟ وما لها كانت صامتة كلَّ تلك السنوات؟".

وتُطالب الصحيفةُ بإخراج يهود مصر من هذا الصراع حتى لا تكونَ هناك عنصريةٌ لا تتَّفق ونظامَ الحكم، كما حاولت الصحيفةُ اليهودية نشْرَ الإحساس بأنَّ المخاطرَ التي يقابلها يهودُ مصر والعالم العربي يتردد صداها في الخارج12.

إنَّ بعضَ الكتابات للإخوان التي تتحدث عن اعتبار كلِّ يهودي صهيونياً وكلِّ صهيوني يهودياً يجب أنْ يُنظر إليها في سياق النشاطات الصهيونية ليهود مصر، فضلاً عن تدفّق اليهود على أرض فلسطين، والجهود التي كانت تقوم بها الوكالةُ اليهودية في هذا الصدد مع ملاحظة أنَّ هذه الوكالةَ أطلقت على نفسها لقبَ اليهودية لا الصهيونية.

ويُمكن القولُ بأنّ الإخوانَ المسلمين قد عرفوا الفرقَ بين اليهودي كصاحب دِين واليهودي الصهيوني المنتمي لهذه الحركة السياسية من الناحية النظرية، ولكنّهم لمْ يجدوا فَرقاً بين الاثنين من الناحية العملية لصعوبة وجود فواصلَ واضحةٍ بين اليهودي والصهيوني، كما وَضُح ذلك من خلال موقف يهود مصر المساند للصهيونية والذين كانوا يرفعون في نفس الوقت شعارَ التفريق بين اليهودي والصهيوني، ويبدو أنّ التعميمَ الذي وَقَعَ فيه بعضُ الإخوان باعتبار كلِّ يهودي صهيونياً كان متأثرا بموقف اليهود في مصر؛ ولهذا جاء موقفُهم نابعاً من اعتبارٍ عمليٍّ أكثر منه اعتباراً فكرياً، بدليل كتابات حسن البنا التي توضح بجلاء الفرقَ بين اليهودية والصهيونية.

ولعلَّ ما يوضح صعوبةَ التفرقة بين اليهودي والصهيوني الاختلافُ في تقييم بعض الشخصيات اليهودية الشهيرة كأينشتاين وحقيقة صهيونيته وهل كان متحمساً للصهيونية أو معارضا لها؟... فيرى البعضُ أنَّه لم يكنْ صهيونياً وأنّ أفكارَه كانت مناهضةً للصهيونية وللكيان الصهيوني13.

ومع ذلك يروي محمد حسنين هيكل أنّه قابَلَ اينشتاين عام 1952م بعد قيام الثورة في مصر وقد سأله أينشتاين عن معرفته ببعض شباب ضباط الثورة وعندما أجابه أنه إلى حد ما يعرف بعضَهم قال له أينشتاين: "هذا ما أريد أنْ أسألك فيه، هل تعرف ما الذي ينوون عمله بأهلي؟" وعندما لاحظ أينشتاين دهشةَ هيكل أضاف: "أهلي مِن اليهود... هؤلاء الذين يعيشون في إسرائيل".

وقد حاول أينشتاين تبريرَ اهتمامه باليهود والكيان الصهيوني بأنّه من باب الدافع الإنساني: "كنت أشاركهم حلمَ الوطن؛ أن يكون لهم وطنٌ لا يضطهدهم فيه أحد" ويُضيف: "أنه لا يريدهم أن يضطهدوا أحداً، وأن عرب فلسطين لهم حق في الوطن الوحيد الذي عرفوه وأن ما جرى عام 1948م هو صراع بين حقين"14.

ومع ذلك فَمِنَ المؤكَّد أنّه ليس كلُّ يهودي صهيونياً وأنّ هناك يهوداً يعارضون الصهيونيةَ كحركةٍ سياسية أياً كانت أسبابُ ودوافعُ هذه المعارضة، ولذلك من الخطأ التعميمُ وإطلاقُ حُكْمٍ عامٍّ في هذا الصدد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سعيدة محمد حسني: المرجع المذكور، صـ190- 194.

(2) أحمد عادل كمال: النفط فوق الحروف: الإخوان المسلمون والنظام الخاص، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1989، صـ152- 162.

(3) عثمان عبد المعز رسلان: التربية السياسية عند جماعة الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1990، صـ352، صالح حسن المسلوت، موقف التيار الإسلامي في مصر من القضية الفلسطينية 1936- 1948، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة، 1994، صـ18-19، إبراهيم البيومي غانم، المرجع المذكور، صـ476.

(4) عبد الفتاح العويسي: المرجع المذكور، صـ33.

(5) وقد نشرت النذير هذه السلسة ابتداء من العدد 19 في شعبان إلى العدد 35 في 17 ذو الحجة 1357 وقد جمعت هذه السلسلة في كتاب يحمل نفس الاسم.

(6) عثمان عبد المعز رسلان: المرجع المذكور، سـ353.

(7) حسن البنا : مذكرات، صـ242.

(8) الإخوان المسلمون النصف شهرية، السنة الخامسة، عدد 174، 25/10/1947.

(9) عثمان عبد المعز رسلان: المرجع المذكور، صفحات، 282- 283، 348- 385.

(10) النذير، السنة الأولى، عدد 24، 15 رمضان 1357هـ.

(11) يعقوب الخوري: مطامع الصهيونية - فلسطين هي خط الدفاع الأول للبلاد العربية، مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، السنة الثالثة، عدد 76، 3/11/1945 .

(12) انظر نص الخطاب في عباس السيسي: المرجع المذكور، صـ151-152.

(13) نبيل عبد الحميد سيد أحمد: المرجع المذكور، صـ42.

(14) مجلة الدوحة، عدد 111، مارس 1985، 138- 140.


لا يوجد صور متاحة


مقالات أخرى قد تهمك