يا حكام المسلمين..انصروا الله ينصُركم
بقلم : عمر التلمساني
مقدمة
الأستاذ عمر التلمساني - المرشد الثالث للإخوان المسلمين
طالما حذرنا الحكومات التي تحكم العالم الإسلامي من الأسلوب السلبي الذي تتعامل به مع الشعوب المسلمة في أخطر مراحل حياتها.
يشتغل رؤساء الحكومات في البلاد الإسلامية، بالمشاكل السياسية فتقضي بهم إلى القطيعة والعداوة، ويشتغلون بالمسائل الاقتصادية، فتثير بينهم التحاسد والتعإلى والنفور، وطال بهم المطال في هذه الميادين عشرات السنين دون جِدِّ وعدٍ أو اتفاق. وتمادي إلىهود في التحدي والتمسك بالأرض الإسلامية إلى الحد الذي تهون معه التضحية بكل شيء في سبيل كسر هذا الصلف والغرور، وتمريغ أنفه في الرغام ليعلم إلىهود من هم حتى ولو كانت أمريكا وروسيا والدنيا كلها لهم ظهيرًا.
في هذا الوقت المحزن المليء بالهموم والأحزان لا يكتفي حكام البلاد الإسلامية بالموقف السلبي من إصلاح شعوبهم، بل يتمادون في إرهاق هذه الشعوب، والعمل الدائب على النزول بها إلى مستوى أعمق من الضعف والهوان؛ فهم في الوقت الذي يقفون فيه من بعضهم البعض هذا الموقف البشع، بدؤوا يتمادون في الكيد لشعوبهم، سلكوا سبيل المؤامرات الدموية، فهذا يهدد بالقضاء على حياة ذاك، وهذا يرسل القتلة من شيعته ليدمر حياة الآخرين.
الإعلام والتخريب
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فسياستهم الإعلامية شرٌّ على الدعوة الإسلامية من سياسة إسرائيل وأمريكا وروسيا ضد العالم الإسلامي برمته، المتحالفون معهم وغير المتحالفين.
وما أظن أن مذياعا أو تلفازاً بلغ في دولة من الدول ما بلغه عندنا في مصر، من الإساءة إلى مشاعر المسلمين بالأفلام الفاحشة والتهوين في شأن الأسرة وروابطها وعلاقاتها، ومن التمهيد للشباب بالابتعاد عن المُثُل والقيم، حتى أن وزراء الإعلام لا يتورعون عن حضور حفلات هذه الأفلام والإغداق على القائمين بها بالمنح والمكافآت والتشجيع، وكأنهم يقولون لهم : تمادوا في غيكم، ولا يهمكم الشعب فنحن أصحاب السلطة، ولا يهمنكم صراخ المواطنين.
وبينما حكومات البلاد الإسلامية تعمل على إضعاف القيم الدينية، ولا تبذل جهدا لبث روح الجهاد وتمجيده والإعداد له، نجد إلىهودَ بكل ما يواتيهم به الأمريكان من أموال وعتاد، وبكل ما يمدهم به الروس والشيوعيون من رجال وخبرات يبذلون الجهودَ في إقامة المستوطنات والمستعمرات والمطارات في أراضي المسلمين.
وتمضي الشهور، شهر يسلمنا لشهر وعام يمنينا بعد عام، وتزداد القطيعة بين حكام الشعوب الإسلامية، وتزداد الأزمة الاقتصادية في الأمم الإسلامية عنفا وضغطا، يُسلِّم من قيادنا لأعدائنا، ويزداد إلىهود تمكناً من أرضنا واستعداداً لمهاجمتنا والقضاء علينا، ونحن نجري وراء السراب.
الحلول السلمية
لا يعارض عاقل في أن السعي إلى الحلول السلمية أمر يرضاه كل الناس الذين يحبون الناس، أما أن يكون الحرص على السلام نتيجة ما نرى من إضعاف روح المقاومة في الأمم الإسلامية والتمكين القهري لليهود حتى يحققوا أمانيهم، وتصبح خرائطهم المعلقة على جدران الكنيست حدوداً واقعة في عالم الأرض والحدود الدولية، أما كل هذا فشيء لا أجد له في اللغة وصفاً يمكن أن يوصف به، وأهمُّ وصف له في تقديري أنّ حكام المسلمين أصبحوا لا يعلمون البديهة السافرة التي يعرفها كل من له أبسط إلمام بالسياسة العالمية، بديهة أن الدول لا تقيم وزنا للقيم والعواطف عند التعامل مع بعضها البعض، ولكنها تنظر إلى مصالحها ولو ضحَّت في سبيلها بكل شيء حتى شرف الكلمة أو شرف المعاهدات.
نحن مسلمون، هذا صحيح، والمسلم إذا وعد أوفى، وإذا قال صدق، وإذا عاهد أنجز، كل هذه أخلاق إسلامية عرفها كل العالم في عالم السياسة يوم أن كانت السيادة للمسلمين، أما اليوم والعرف السياسي كما نرى ونعلم، فلم يعد لنا إلا أن نتذاءب لهم. ومن لم يتذاءب في عالم الذئاب تأكله الذئاب.
إن المسلم يجب ألا يكون خِبّا، ولا يرضى أن يخدعه الخب.
إن المسلم لا يجب أن يكون أبلهاً يستغله البلهاء والأغبياء وغيرهم، لقد حان وربي أن يتغير حال حكام المسلمين إلى غير ما هم عليه، وإلا فهم أول ضحايا هذا التواني والتخاذل لا بيد شعوبهم ولكن بيد أعدائهم الذين يحسنون بهم الظنون.
الداء والدواء
ورُب سائل يسأل: وما العمل ؟
ونقول: لطالما شَخَّصنا الداءَ، ووصفنا الدواء، أكثرَ من مرات، ولكن ما نقول يذهب مع الرياح السافيات، كأن إنسانا لم يقل، وكأن إنسانا لم يسمع. إن تعاليم الإسلام هي الدواء الناجح، والشفاء الأكيد لكل ما نحن فيه من ضعف سياسي، وإفلاس مالي، وانهيار خلقي، وانحراف عقيدي، وما على حكام المسلمين إلا أن يضعوا هذا العلاجَ الوحيد موضعَ العمل والتجربة، ليروا إلى أي مدى يبلغ الصدق فيما نقول.
إن المال في العالم الإسلامي وصل إلى مرحلة تجعل له أثره الفعال المنتج في المجال السياسي، وما كان ذلك بمجهود من أحد، ولكنه قدر رباني أمدهم في ساعات اليأس والإفلاس، ولو أن الأموال التي تنفق في بؤرات الفساد وكل ما يُغضب اللهَ أو الأموال التي أنفق منها تسعة ملايين دولارا لشراء لاعب، لو أنها وغيرها أنفقت في سد حاجات الدول المحتاجة لأصبحنا في استكفاء يزيد عن حاجاتنا ويمكننا من التصدير بدلا من الاستيراد.
ولقائلٍ أن يقول: لقد عجز حكام المسلمين عن التعاون في هذا المجال، وأصبح الغني بما عنده ضنين، وهذا حق، فلم يبق إذن إلا ما يهدي إليه رب العالمين.
وعلى الحكومات الإسلامية الفقيرة أن تتخلص من كل مظاهر البذخ والإسراف فيعيش الحكام كما يعيش أفقر فرد في أوطانهم، ورحم الله عمر بن الخطاب يوم قال لبطنه وهي تقرقر عام الرمادة: قرقري أو لا فلن تطعمي زيتا حتى يطعمه كل المسلمين.
ولو أن الشعوب الإسلامية رأت حكامها يشاطرونها شظفَ العيش، وضغط الظروف، لسايرتهم في هذا إلى أبعد الحدود ولكن لا الحكام يتقشفون، ولا الشعب يحس بالتجاوب العاطفي معهم، ونظل هكذا، الحكام في واد يخافون على عروشهم، والشعوب في واد تدعو عليهم ليلَ نهار وتجعل الله فيهم حسبها ونعم الوكيل.
ولن يأتي هذا المنهج العالي الذي يجب أن يأخذ الحكام وشعوبهم به إلا إذا عقدوا صلحا وثيقا بينهم وبين ربهم، يطلع فيه على دخيلة قلوبهم فيرى فيها إخلاصهم فيمدهم بمدد من عنده.
أما أن يكتفي حكام المسلمين بالصلاة والصيام والحج ثم يُسخّرون كلَّ جهودهم في تمكين أجهزة الإعلام من نشر السوس الذي ينخر في عظام شعوبهم على هذه الصورة المزرية البشعة فهو أمر لن ينصلح به للحكام شأن، ولن يستقيم معه للشعوب حال. من يتصور أن مذيعات تأتي أسماؤهن في قضية علم بها الشعب كله ثم يظللن في أماكنهن صورة شوهاء لكل فتاة وفتى يريدون الاعوجاج، ويسهل لهم هذا التصرف الحكومي سبيل الانحلال، قضية وقضايا يكتب فيها الكتاب والصحف ويتحدث عنها الناس ولا شك أن المسؤولين عن هذه الأجهزة قد قرؤوا وقد سمعوا، ويحيرني حقا ما يجعل المسؤولين يسكتون على هذا الشر، ويغمضون الأعين عن هذا الفساد.
ويظل الكتاب والصحفيون والسياسيون يتحدثون عن مشاكل الاقتصاد السياسة، دون إشارة إلى واجب الحكومات في محاربة الفساد، وإقامة الأخلاق، مع أن الاهتمام بهذه الأمور هو الذي سيؤدي حتما إلى القضاء على كل المشاكل في السياسة والاقتصاد أو غيرها، ولو أن كل كاتب لم يكن ببغاء يردد كل كلمة ينطق بها هذا الرئيس أو ذاك، ولو أن كل واحد منهم انتقد حاكما في صدق ووضوح لنهض سوق الملق والدهان وانهارت.
مطلوب من الحكام
مطلوب من حكام المسلمين أن يربوا في شعوبهم روح التضحية والصبر والرجولة والفداء. لتكون عمدا وجبالا راسخات في صد أعداء أوطانهم المسلمة من التسلل إليها أو التمكين منها.
إن الدين هو الذي جعل للشرق تاريخا ساميا، وذكرا عاليا؛ فلنقض على السم الذي يضعف من قوى مقاومتنا، هذا السم الذي تدسه أجهزة الإعلام حتى داخل حجرات نومنا ولنأخذ الأمر بحزم يجبر الناس على التزام الجادة، وترك هذا الهوان.
ولكي يستجيب الشعب إلى ما يُطلب منه يجب أن يبدأ الحكام بأنفسهم في كل ما يطالبون به شعوبهم من تقشف وصبر واحتمال، ولن يعود بنا إلى سالف أمجادنا إلا بأن يأخذ حكام المسلمين أنفسهم بالحزم والعزم والصدق والإخلاص والبدء بأنفسهم وأهليهم وبطانتهم، وسيرون أي تجاوب سريع سيكون من شعوبهم، سيؤدي قطعا بتبديل الحال من وضع شائن إلى أحسن حال.
ويوم أن تتم فينا كل هذه المقومات، ويوم أن يرضى الله عنا، فلن تكون النتيجة تحرير سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس فقط، ولكن ستكون النتيجة وضع اليهود في وضعهم الصحيح في فلسطين العربية المسلمة، مواطنين يخضعون لحكم أصحاب البلاد أو ليرحلوا إلى أي أرض يشاؤون. هل تطمع في أن يضع حكام المسلمين هذه النصائح موضع التجربة، فلا يخشون أحدا إلا الله؟ وإن ينصروا ربهم بالتمسك بدينهم وهو سبحانه القائل: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".