شكري قطينة – الصحفي الذي ترك القلم وحمل السلاح

1893 - 1948

 

حاتم طحان – القدس - مدير مؤسسة خزائن

كان الصحفي المقدسي شكري قطينة خارجاً من بيته الكائن في حوش الهدمي في وادي الجوز يحمل سلاحاً في نيسان 1948، وكان المشهد غريباً ربما، فهي من المرات القليلة التي يظهر فيها قطينة بدون أقلامٍ أو أوراق  أو دفتر الملاحظات، لسنين طويلة كان صحفياً معروفاً، نشط على مدار عقدين من الزمن في الكثير من المجلات والصحف الفلسطينية، فقد كان محرراً في كل من جريدة الوحدة المقدسية صاحبة الخط القومي الثوري، مجلة العرب مع الراحل عجاج نويهض، وجريدة الدفاع مع ابراهيم الشنطي. خلال عمله الطويل تميز شكري قطينة بالإخلاص والصدق ولم يعرفه الناس إلا مثقفاً فلسطينياً سليطَ اللسان، ولم يُعرف بيتُه سوى كمساحةٍ للنشاطاتِ الوطنية، فيه الاجتماعاتُ السياسية، والنشاطاتُ الاجتماعية، فيه الأفراح والأتراح.

من الأحداث المهمة في القدس والتي حدثت في بيت شكري قطينة، زيارةُ القيادي الإخواني المصري سعيد رمضان، كممثلٍ عن الراحل حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين، ومن بيته تمَّ الإعلانُ عن تأسيس فرع الإخوان المسلمين في القدس بتاريخ 26 تشرين الأول 1946م مع مجموعة من التجار والمحامين والوجهاء المقدسيين. وتشير الوثائق الى أن شكري قطينة كان –فعلاً- واحداً من أبرز قادة وأعضاء المكتب الإداري في القدس[1].

ومن الأحداث التي لا تنسى في البيت أيضاً، كانت جنازةُ الشهيد رمزي قطينة والتي خرجت من البيت ذاته، وهو أحدُ أقرباء شكري، كان الشهيدُ قد أُصيبَ في إحدى المظاهرات المندّدة بالانتداب والصهيونية في 30 تشرين الأول من عام 1933م، حين أعلن الفلسطينيون يومها عصياناً مدنياً ضد الاستعمار البريطاني، تبنّتْ الإضرابَ حينها اللجنةُ التنفيذيةُ العربية برئاسة موسى كاظم الحسيني، واندلعتْ المظاهرتُ في شتّى المدنِ الفلسطينية وصاحَبَها إضرابٌ عامّ، وامتناعٌ عن دفع الضرائب، واستُشهد خلالَ الأحداث العديدُ من الفلسطينيين كان من بينهم رمزي قطينة.

 

سيعودُ شكري قطينة إلى بيته ليكتبَ المقالاتِ للصحف، وفيه سيُحرّرُ الأخبارَ ومنه سيبرق الرسائل. يروي المناضلُ بهجت أبو غربية أنّ الضابطَ الانجليزي سيكرست اعتدى على صبحي قطينة، فكتبَ شقيقُه شكري رسالة للمندوب السامي قال فيها: “وحشية سيكرست ألقتْ أخي طريحاً في المستشفى بجراحٍ خطيرة. إذا لم تؤدِّبْه الحكومةُ وتقطعْ يدَه التي اعتدتْ على الأبرياء فسنؤدّبُه نحن ومرحى للموت خلاصاً من ظلمكم[2].

لم يكن هذا الاعتداءُ الأخيرَ، ولم يكنْ رمزي قطينة هو الشهيدُ الأخيرُ الذي يَخرج من بيت شكري قطينة، بعدها بسنوات، ستكون فجيعته الأقسى، ففي 29 كانون الأول 1947م  قامت العصاباتُ الصهيونية بتنفيذ تفجير استهدفَ تجمعاتِ الفلسطينيين في باب العامود ممّا أدى الى استشهاد 14 فلسطينياً من الشباب والشيوخ والأطفال. حيث تصدّرَ القائمةَ ابنُه وليد قطينة والذي لم يبلغ الثامنةَ عشر حينها.

 

كانت فاجعةُ شكري قطينة بولده صعبةً والتي جعلتْه –ربّما- يتّخذ اتجاهاتٍ أخرى في الحياة. فبعد أسابيعَ من استشهاد ابنه، تركَ عالمَ الصحافة، وانتقل إلى حَمْل السلاح، فهل فقد الأملَ بالاعلام؟ أم أنه اختار جبهةً أخرى؟ لا نعرف ما الذي كان يفكّر فيه حينها، لكنّه سيشاركُ بعدها في العديد من النشاطاتِ العسكريةِ ضمنَ كتيبة الجهاد المقدس.

 

في 13 نيسان من عام 1948م استَهدَفت مجموعةٌ من الفلسطينيين قافلةَ هداسا والجامعة العبرية والتي تعتبر إحدى المعارك القاسية في القدس حيث قُتل فيها حوالي 78 صهيونيّاً. أمّا على الطرف الفلسطيني فسيكون أحد أوائل الشهداء هو الصحفي شكري قطينة، والذي سيلحق بإبنه الشهيد وهو في الخامسة والخمسين من عمره.

رحل شكري قطينة من ذات البيت الذي شهد كافةَ النشاطاتِ السياسية والاجتماعية، وشهدَ القدسَ بكل تفاصيلها من العهد العثماني، إلى الاستعمار البريطاني، ووصولاً إلى الاحتلال الصهيوني ورغم مرور سبعين عاماً على استشهاده لا زال كبار العمر يذكرونه ويذكرون عطاءَه، ولا يزال البيتُ قائماً يحكي القصة، قصةَ الصحفي الذي تركه قلمُه بعد عشرين عاماً من العمل وحمل السلاح.

 

[1] صالح، محسن محمد. أضواء وثائقية على جماعة الإخوان المسلمين في القدس سنة 1946. مجلة الدراسات الفلسطينية، بيروت. مجلد 15، عدد58، ربيع 2004، ص70.

[2]أبو غربية، بهجت. مذكرات المناضل بهجت أبو غربية 1916-1949: في خضم النضال العربي الفلسطيني. مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1993. ص 73

 

المصدر: مدونة خزائن