الإخوان والقضية الفلسطينة 5 - جهود الفلسطينيين لمواجهة المخططات الصهيونية ودورُ القسَّام

بقلم: د/ صفوت حسين: كاتب ومحلل سياسي "بتصرف"

الإخوان المسلمون والقضية الفلسطينية

"1936 – 1949"

 

 

جهود الفلسطينيين لمواجهة المخططات الصهيونية ودورُ القسَّام:

افتقد عربُ فلسطينَ لوجود جهاز سياسيٍّ وطني مع احتلال بريطانيا لفلسطين خلال الحرب العالمية الأولى، ولكن في عام 1918م تنبه العرب إلى أهمّية ضرورة التجمّع من أجل مواجهة الخطر الذي بدأ بمظاهرةٍ ضد البعثة الصهيونية التي ذهبت إلى فلسطين في نيسان - إبريل 1918م برئاسة الزعيم الصهيوني وايزمان، وقد تمثل ذلك التنظيم فيما عرف باسم "الجمعيات الإسلامية المسيحية" والتي تصورت أنّ عدوها الأول هو الصهيونية وأنّ بريطانيا ستساعدهم على التخلص من الصهيونية.

وقد اعترض عربُ فلسطين على تصريح بلفور والذي عرفوا به عن طريق الصحف العربية والتركية وقبل أن يُبلّغوا به رسمياً في 20/2/1918م عن طريق الحاكم العسكري العامّ البريطاني.

وقد تَميَّز كفاحُ عربِ فلسطين في السنوات الأولى بمقاومة تصريح بلفور، وسياسة الوطن القومي اليهودي، وكان الخطر الصهيونيُّ هو الخطر المباشر الذي يشعر به المواطن العادي، ولم تكن الفكرة الاستعمارية واضحةً لدى الجماهير، وقد حافَظ الزعماءُ العرب عموماً على الموقف السلمي مع بريطانيا، وعدمِ إظهار العداء لها بل المعارضةِ بطريقة شرعية، حيث كان الكثيرُ منهم يعتقدون أنّ بريطانيا لن تجعل فلسطين يهودية، وأن بريطانيا لن تقدم على اغضاب ملايين المسلمين الذين تضمهم الإمبراطورية البريطانية1.

وقد تجمَّعتْ في موقف عرب فلسطين عواملُ قوةٍ وعواملُ ضعفٍ، وكان أبرزَ عوامل القوة الوحدةُ بين المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين، أما أبرزُ عوامل الضعف فكان التنافسُ الشّديدُ بين الأسر الفلسطينية وعلى رأسها أسرتا الحسيني والنشاشيبي، وقد عمل الاستعمار على إذكاء جذوة هذا التنافس بضرب الأُسَر الكبيرة بعضِها ببعض2.

وقد اتخذ نشاطُ الحركة الوطنية الفلسطينية شكلَ المؤتمرات الوطنية، وقد عَقَدَتْ سبعةَ مؤتمرات سياسية حتى نهاية العشرينات، وقد اقتصرتْ مهمَّةُ المؤتمرات في إصدار القرارات، ورفعِ الاحتجاجات وتقديمِ المذكرات إلى الهيئات السياسية والصحف، وإذاعةِ البيانات على عرب فلسطين في المناسبات المختلفة، دونَ أنْ تضع خططاً للحفاظ على الكيان العربي أو الاحتفاظ بالأراضي أو لتنفيذ المشروعات الاقتصادية المختلفة3.

كما لجأت القيادةُ الفلسطينية إلى سياسة إرسال الوفود إلى بريطانيا لشرح وجهة النظر العربية للحكومة وللرأي العام البريطاني، والمطالبة بإلغاء وعد بلفور، ووقف الهجرة الصهيونية وانتقال الأراضي إلى اليهود، وقد سافرت العديدُ من الوفود الفلسطينية دون أن تحقق أي نتائج إيجابية4.

ولم تتوقّف الجهود عند النضال السياسي؛ فقد قام عربُ فلسطين بالعديد من الانتفاضات والتحركات ضد المخططات الصهيونية من أبرزها انتفاضة عام 1920م، وانتفاضة يافا 1921م وثورة 1929م5.

وبصفةٍ عامّة فإنّ الحركةَ الوطنية لم تتِّجِهْ في بادئ أمرها ضدَّ الانجليز مباشرة، ولم يتَّخِذ النضالُ القومي صفةَ الكفاح المسلح ضدَّ الاستعمار، وقد اتَّسَمت الثوراتُ والاضطراباتُ التي وقعتْ في فلسطين بين عامي 1918م و 1929م بروح المقاومة ضدَّ الصهيونية في الدرجة الأولى6.

أمَّا الحكومةُ البريطانيةُ فقد اتَّخذَتْ من سياسة لجان التحقيق والكتبِ البيضاء والقراراتِ وسيلةً لإخفاء نواياها وأهدافها، وخداعَ بعض الذين كانوا يعلقون الآمالَ على عدالة بريطانيا، فعلى إثر كل انتفاضة فلسطينية، كانت بريطانيا تُسارع إلى تأليفِ لجنةِ تحقيقٍ وإصدارِ البيانات والكتب البيضاء التي تُظهِر حرصَها على حقوق العرب، ثم لا تلبثُ بعد هدوءِ الأحوال إلى العودة إلى سابقِ عهدها بالتآمر وتنفيذ إجراءات التهويد7.

وقد كان لثورة 1929م أثرٌ كبير في إدراك عرب فلسطين لحقيقةِ دور بريطانيا في تنفيذ المخططات الصهيونية، وضرورةِ اللجوء إلى القوّة لقتال الإنجليز والصهيونيين.

وقد اندلعت ثورة 1929م المعروفة "بثورة البراق" في شهر آب - أغسطس عام 1929م حيث قام اليهودُ في 5 آب - أغسطس بمظاهرةٍ ضخمةٍ في القدس حتى وصلوا منطقةَ البراق والتي يطلقون عليها "حائط المبكى" ورفعوا العلمَ الصهيونيَّ وأخذوا يُنشدون نشيدَهم الوطني، ممّا أثارَ العربَ الذين قاموا بمظاهرة كبرى مضادةً في اليوم التالي، وبعد أسبوعٍ انفَجَرَت الاضطراباتُ في 23 آب - أغسطس حيث كان الجوُّ مشبَعاً بالتَّوتر، واشتدَّ نطاقُ هجمات الثّوّار في معظم أنحاء فلسطين8.

وحائطُ البراق هو الجدارُ الغربيُّ للحرم الشريف، وقد عَرَجَ منه الرسولُ عليه السلامُ إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج، وقد ربَطَ به البراقَ في تلك الليلة، وقد أوقَفَ الملكُ الأفضلُ بن صلاح الدين الأيوبي وقفاً عُرِف بوقْفِ أوحى أو حارة المغاربة على الجانب الغربي من المسجد الشريف، وقد شكَّل الجدارُ للمسجد الحدَّ الشرقيَّ لهذا الوقف، ومنذ القرن 19 بدأ اليهودُ يتحركون، وأخذوا يتوجّهون إلى الجدار الغربي للمسجد، حيث اختاروا خمسةَ مداميك من أسفل الجدار وزعموا أنها من حجارة الهيكل الذي دمَّره الرومانُ، وأنها بقيةُ جدارِ الهيكل، وكانت البدايةُ البُكاءَ أمامَ هذه الأحجار الخمسة ثُمّ تَكَرَّرَ حضورُ اليهود والوقوفُ أمام هذه الأحجار، حتى أصبحَ حضوراً دائماً ليلاً ونهاراً، وتطوَّر الأمرُ فأصبح هناك رصيفٌ يقِفون عليه، عَرْضُه 4 أمتار وطوله 30 متراً، وقد حاولوا خلال سيطرة محمد علي باشا على بلاد الشام التقدّمَ بطلب للسماح بتبليط الرصيف ولكن الطلب رُفض، وجاءت الخطوةُ التالية في عام 1911م حينما حاولَ اليهودُ إحضارَ كراسي على الرصيف حتى يجلسوا عليها أثناء البُكاء، وحاولوا إقامةَ ستارٍ بين كراسي الرجال وكراسي النساء، وقد أدى ذلك إلى رفع ناظر المغاربة شكوى أكّدَ فيها أنّ الرصيفَ وقفُ المغاربة، وأنه يؤدّي إلى موقفِ البراق في رحلة الإسراء والمعراج وطالَبَ بإيقاف جلْب الكراسي وإلا سيدَّعي اليهودُ ملكية الرصيف ومربِط البراق، وقد تمّت الاستجابةُ لشكوى ناظر الوقف.

بعد صدور وعد بلفور، بدأ اليهودُ يطلقون على حائط البراق اسم حائط المبكى، وهو الاسم الذي تردده وسائل الإعلام العربية دونَ وعي، وقد حاولَ اليهودُ شراءَ أرضِ الوقف دونَ جدوى، وقد أدّتْ محاولاتُ اليهود إلى هياجِ عرب فلسطين، الأمرُ الذي دعى لندن لإغلاق هذا الموضوع، ولكن المحاولات الصهيونية لم تتوقف، الأمر الذي أدى لاشتعال ثورة البراق9.

وقد أكَّدت اللجنةُ التي شكّلتها عصبةُ الأمم للتحقيق في الأمر على ملكية المسلمين للحائط الغربي (للمسلمين وحدَهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم وحدهم الحقُّ العيني فيه لكونه يؤلف جزءاً من ساحة الحرم الشريف التي هى من أملاك الوقف، وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمامَ الحائط وأمامَ المحلّة المعروفة) (بِحَارة المغاربة) المقابلة للحائط كونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير)10.

كان من النتائج المترتبة على ثورة البراق انعقادُ المؤتمر الإسلامي العامِّ في القدس في كانون الأول - ديسمبر عام 1931م، فقد أدركت القياداتُ الفلسطينية وعلى رأسها مفتي القدس محمد أمين الحسيني أهمّية الاتجاه نحو العالم الإسلامي لمساندة عرب فلسطين، وتجلّى ذلك في المؤتمر الإسلامي العام، الذي شارك فيه ممثلين لـ 22 بلداً عربياً وإسلامياً، على رأسها الكثيرُ من العلماء والقيادات الإسلامية، وقد اتَّخذ المؤتمرُ عدةَ قرارات على رأسها: إنشاء جامعة إسلامية في القدس، والمطالبة بوقف الهجرة اليهودية، وتأسيس شركة زراعية لإنقاذ الأراضي الفلسطينية من الوقوع في يد اليهود.

 وبالرغم من أهمية هذه القرارات إلا أنّه كان من الصعب أن تجِدَ طريقَها للتنفيذ العملي في ظل السيطرة البريطانية التي كانت تعمل بكل جدية على تهيئة السبل لتسليم فلسطين للصهيونيين11.

ومع بداية الثلاثينيات ازداد الوعيُ العربي، وأدركت اللجنةُ التنفيذية العربية التي تولت قيادةَ عرب فلسطين أنَّ وسائلها لم تُحقِّق أيَّ شيء، وأنَّ سياسةَ التعاون مع الحكومة البريطانية، وإقناعَها بتغيير سياستها غيرُ مجدية، في ظلِّ تزايد أعداد المهاجرين من اليهود، وانتقال الأراضي الفلسطينية إلى اليهود، ولذلك رأت اللجنةُ تغيير سياسَتها، وقرَّرت البدءَ بالمقاطعة الاجتماعية، وإقامة المظاهرات كبداية لسياسة التحدي12.

وفي إطار هذه السياسة الجديدة تم وضع برنامجٍ للقيام بسلسلةِ مظاهرات يصاحبُها إضرابٌ عام، والامتناعِ عن دفع الضرائب وإضراب الموظفين بالإضافة إلى سلسلة من الاجتماعات والمؤتمرات الشعبية التي تُعقد في جميع المدن والقرى لتوعية الشعب، وبناءً على هذا البرنامج اندلعتْ سلسلةٌ من المظاهرات في القدس ويافا ونابلس والخليل، وقد امتنعت الجماهيرُ طيلةَ مدة هذه الانتفاضة عن دفع الضرائب على نطاق واسعٍ كما أضرب الموظفون، وتدفَّقَ تأييدُ الشعوب العربية للانتفاضة، فقد امتدَّت الانتفاضة ستةَ أسابيع، نُظمت فيها مظاهراتٌ رغم الحظر الحكومي، وقد أظهرت الانتفاضةُ بسالةَ الشعب الفلسطيني بالرغم من إخماد الانتفاضة13.

لقد كانت انتفاضة 1933م تعني في حقيقة الأمر إعلامَ الحكومة البريطانية إدراكَ العرب لحقيقة السياسة البريطانية في تنفيذ مخططات الصهيونية، وأنهم سيوجهون كفاحَهم ضدَّ هذه السياسة بدلا من توجيهها ضدَّ الصهيونية وحدها.

وقد أوضح تقرير حكومة الانتداب لعام 1933م على تغيُّر نظرة العرب إلى حكومة الانتداب، فقد حرص العرب خلال تلك الانتفاضة على عدم إصابة أحد من اليهود على عكس ما كان يحدث في الانتفاضات السابقة وذلك لتأكيد معنى توجيه عدائهم إلى الانتداب بشكل أساسي14.

عز الدين القسام

وُلد الشيخُ " عز الدين القسام " عام 1882م في بلدة جَبْلَة قضاء اللاذقية في سوريا، وأرسله والدُه في سن الرابعة عشرة إلى مِصر لتلقي العلم في الأزهر الشريف، حيث تتلمذَ على يد كبار العلماء وعلى رأسهم الإمام محمد عبده وبعد عودته إلى سوريا عام 1903م عُيِّنَ إماماً وخطيباً في جامع المنصوري في بلدته جبلة، حيثُ استطاع القسامُ أن يُلفت إليه الانتباهَ بخطبه ومواعظه. وكانت أولُّ ممارسةٍ جهادية للقسام عندما حاصر الأسطولُ الإيطالي السواحلَ الليبية عام 1911م، حيث قام القسّام بإثارة الجماهير وقيادة المظاهرات، وجمْعِ التبرعات والمساعدات لمساعدة الليبيين. وتوجه إلى ليبيا حيث التقى بالمجاهد العظيم "عمرِ المختار" الذي جَمَعَتْ بينهم العقيدةُ والجهاد في سبيل الله، وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وفَرْضِ الانتداب الفرنسي على سوريا، بادَرَ القسّامُ مع رفاقه إلى رفع راية الجهاد ضدَّ الفرنسيين، وأخَذَ في شنِّ الهجماتِ عليهم منطلِقاً من الجبال والوديان. وتمَّ إصدارُ حكم الإعدام عليه غيابيا عام 1920م.

وأمام الوضع المتردي في سوريا آثَرَ القسّامُ الانتقالَ إلى فلسطين ومتابعة الجهاد في مكانٍ آخر، حيث استقرَّ في حيفا وعمل مدرساً وإماماً لجامع الاستقلال، كما عمل مأذوناً شرعيّاً لمدينة حيفا، وأسَّس في عام 1928م جمعية الشبان المسلمين في حيفا وانتُخب رئيساً لها، ومن خلال هذه المهامِّ المتعددة مارَسَ القسّامُ نشاطَه الجهاديَّ ضدَّ اليهود والانجليز بعد أنْ آمنَ أنَّ الكفاحَ المسلَّحَ هو السبيلُ الوحيد لإفشال المخططات الصهيونية.

لقد شكَّلتْ ثورةُ القسّام نقلةً نوعيةً هامَّة في تاريخ الكفاح للحركة الوطنية الفلسطينية، فقد كانتْ حركةُ القسّام أوَّلَ حركة تعتمد المواجهةَ المسلحة الجريئةَ مع السلطات البريطانية، على عكس القيادات الفلسطينية والتي كانت لا تخلو من روابطَ وصِلاتٍ ومصالحَ مع السلطات البريطانية، الأمر الذي كان يَحُولُ بينَها وبين اعتماد الكفاح المسلَّح، فبالرغم من وضوح الموقف البريطاني المؤيِّد للمخططات الصهيونية، وجهود السلطات البريطانية لتهويد فلسطين، إلا أنَّ القياداتِ الفلسطينيةَ بالرغم من إدراكها لذلك في مطلع الثلاثينيات إلا أنَّ أقصى ما لجأتْ إليه هو سياسةُ التظاهر والإضرابات كما مر بنا15.

لقد أدرك القسّامُ بتاريخه الجهادي الحافل أنَّ العدوَّ الرئيسي الذي يجب مقاومته هو الاستعمارُ البريطاني وكان هذا الإدراكُ أهمَّ ما يُميِّز حركةَ القسّام عن القوى الوطنية الأخرى التي كانتْ ما تزالُ تُعوِّلُ على المفاوضات مع البريطانيين، وكان القسامُ يردِّد كثيراً مقولتَه المشهورة: "بريطانيا أصلُ الداء، ورأسُ البلاء، والمؤمنُ لا يلدغ من جحر مرتين".

كما حَذّرَ القسامُ من الخطر الصهيوني: "لو كنتم مؤمنين حقا لكان عندكم نخوةُ المؤمن، وعِزَّتُه وكرامتُه، أين عزتكم وكرامتكم؟، وخنازير الشيطان- اليهود- تسرح وتمرح في بلادكم المقدسة ومنازلِ الأنبياء، التي استودَعَها اللهُ بين أيديكم وفي أعناقكم أمانةً؟ أفلا تستأمنون على وديعة الله؟ أفلا تكونوا جديرين بالحفاظ على عهد الله وعهد أنبيائه؟".

كما شَنَّ حملةً قوية على سماسرة الأراضي والقِلَّةِ التي باعتْ أرضاً لليهود "كيف لا تخجلون من الله ومن أنبيائه أيها الفلسطينيون وأنتم تبيعون اليهودَ أراضيكم ومعاملَكم وبيوتَكم بدراهمَ بخسةٍ، كيف تبيعون منازلَ الأنبياء وأرضَ الإسراء والمعراج؟"16.

لقد آمن القسام بوجوب الثورة المسلحة ضد الانجليز والصهاينة وقد حدد القسامُ للجهاد والثورة ثلاثةَ أهداف هي:

- طرد الاستعمار البريطاني من فلسطين.

- منع إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين.

- إقامة دولة عربية إسلامية تعمل على تحقيق الوحدة الإسلامية بين الدول العربية.

وقد اتَّبع القسامُ سياسةَ المراحل لتنفيذ الثورة، وكانت المرحلة الأولى:

هي مرحلة التنبيه إلى الخطر الصهيوني والعودة إلى الجهاد ضد الاستعمار، فقد أخذ القسام منذ وصوله من سوريا إلى حيفا عام 1920م يحذر من خطر الاستعمار والصهيونية في خُطَبه ودروسه وجولاته في فلسطين.

المرحلة الثانية:

هي مرحلة الإعداد والتهيئة النفسية للثورة حيث شَرَعَ في اختيار الصالحين من تلاميذه ومريديه وإعدادهم لإنقاذ فلسطين.

المرحلة الثالثة:

وهي اختيار العناصر الطليعية للحركة وقد بدأت هذه المرحلة في عام 1925م باختيار طلائع الحركة وأعضائها، وكان يَشترِط في العضو أنْ يقتنيَ سلاحاً على حسابه من ماله الخاص وأنْ يدفعَ الاشتراكَ الشهريَّ البالغ عشرة قروش، وأنْ يتبرعَ بما يستطيع من دخله، وكان كلُّ خمسةِ أعضاء يُكوِّنونَ خليةً سِرِّيّة، ويذودون بالمعلومات والخبرات الدينية والعسكرية، وكانت كلُّ خلية لا تَعرف عن الأخرى شيئاً، كما كان لكلِّ عضوٍ اسمٌ حركي، كما تَمَّ تكوينُ وحداتٍ جهادية، وكان لكل وحدةٍ وظيفةٌ محدودة توزَّعَتْ بين شراء السّلاح والتدريب والاستخبارات وجمع المال والدعاية، وقد قامت خلايا القسام بالعديد من العمليات العسكرية ابتداءً منْ نيسان - إبريل عام 1931م وحتى كانون الأول - ديسمبر عام 1932م؛ حيث تمَّ إيقافُ العملياتِ العسكرية بعد انكشاف أسرار التنظيم وتشديد الرَّقابة على القسام.

المرحلة الرابعة: مرحلة إعلان الثورة:

فالبرغم من عدم اكتمال الاستعدادات للقيام بثورة مسلحة شاملة إلا أنَّ الظروفَ التي كانت تمرُّ بها فلسطينُ عَجَّلَتْ بخروج القسام وإعلانِ الثورة وتمثَّلَتْ هذه الظروفُ في تصاعد وتيرة الهجرة اليهودية وتشديد الرَّقابةِ على القسّام وتهريب الأسلحة لليهود، الأمر الذي دعا القسامَ للقولِ: "إذا لم نهاجم اليهود فسوف يهاجموننا" وانطلق القسامُ مَعَ تسعة عشر من رفاقه عازماً على الطواف على القرى وتسليحهم واستكمال الاستعدادات لإشعال الثورة، وتوجَّهَ القسامُ إلى منطقة جنين ولكنَّ عيونَ الانجليز كانت تُراقب تحركاتِ القسام ورفاقِه، وكانت الملحمةُ الأخيرةُ في حياة القسام في قرية "يَعَبَد" التابعةِ لقضاء جنين بالقرب من نابلس؛ حيث حاصرت قوةٌ من الشرطة البريطانية والعربية بَلَغَتْ -في أقلِّ التقديرات- 150 فرداً القسامَ ورفاقَه، وفي صباح 20 تشرين الثاني - نوفمبر 1935م اندلعت المعركةُ غيرُ المتكافئة بين الطرفين وانهالَ الرصاصُ على القسّام ورفاقِه والذين قاتلوا ببسالة ورفضوا الفرار كما رفضوا الاستجابة لدعوة الضابط البريطاني لهم بالاستسلام، وصرخ القسامُ "لن نستسلم.... هذا جهاد في سبيل الله" وهتف في رفاقه "موتوا شهداء"، واستُشهِد القسامُ وهو يردِّد:

"في الجبن عارٌ وفي القتالِ مَكرُمةٌ

والمرءُ بالجبن لا ينجو من القَدَرِ".

وانتهت المعركةُ باستشهاد القسام واثنين من رفاقه وجرحِ وأسْرِ الباقين، وتمَّ نقلُ جثمان الشهداء إلى حيفا؛ حيث تحولتْ جنازاتُهم إلى مظاهرة وطنية لم تشهدْ لها حيفا مثيلاً من قبل17.

لقد استُشهِدَ القسامُ بعد أن وجَّهَ الحركةَ الوطنية الوجهةَ الصحيحةَ لإنقاذ فلسطين من المخططات الصهيونية، عن طريق القوّة المسلحة، وبعد أنْ وجَّههم إلى أصل الداء ورأس البلاء وهم الإنجليز، وإنْ كان القسامُ لم يستطِعْ أنْ يحقِّقَ الهدفَ من خروجه على الانجليز وإشعالَ الثورة ضدَّهم، إلا أنَّ استشهادَه كان الوقودَ الذي أشعلَ ثورةَ عام 1936م بعد شهور قلائلَ من استشهاده، وبعد أن ترسَّمّت الطريقُ الذي سَلَكَهُ القسامُ في جهاده، لتبدأَ مرحلةٌ جديدةٌ في كفاح الحركة الوطنية الفلسطينية، ولِتأخذَ القضيةُ الفلسطينية موضِعَها الصحيحَ في بؤرة الاهتمامات الشعبية والرسمية في الأقطار العربية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عادل غنيم: الحركة الوطنية الفلسطينية من ثورة 1936 إلى الحرب العالمية الثانية، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1980، ص 4-7.

(2) مقدمة عبد العزيز الشناوي لكتاب حسن صبري الخولي: المرجع المذكور، ص20.

(3) عادل غنيم: المرجع المذكور، ص7.

(4) حسني أدهم الجرار: المرجع المذكور، ص30.

(5) علي أبو الحسن: "فلسطين العربية في ظل الاحتلال الصهيوني"، دار الفاروق، بيروت، 1991، ص 20- 23.

(6) أميل الغوري: المرجع المذكور، ص70.

(7) شفيق الرشيدات: المرجع المذكور، ص 94.

(8) منسي: "الشرق العربي"، ص 266- 267. انظر تفاصيل ثورة البراق في حسني أدهم جرار: المرجع المذكور، ص 24- 62.

(9) السيد فهمي الشناوي: مؤامرة صهيونية على حائط البراق، مجلة الدوحة، عدد 126 يونيو 1986 ص 6- 8.

(10) علي محمد علي: المرجع المذكور، وثيقة 174.

(11) أبو يصير: المرجع المذكور، ص 176- 177.

(12) عادل غنيم: المرجع المذكور، ص 12.

(13) انظر تفاصيل انتفاضة 1933 في حسني أدهم جرار: المرجع المذكور، ص 69-80.

(14) عادل غنيم: المرجع المذكور، ص 12.

(15) سميح حمود: "الوعي والثورة. دراسة في حياة وجهاد الشيخ عز الدين القسام 1882- 1935، دار الشروق، عمان، 1986، ص 59.

ولد الشيخ "عز الدين القسام" عام 1882 في بلدة جبلة قضاء اللاذقية في سوريا، وأرسله والده في سن الرابعة عشرة إلى مصر لتلقي العلم في الأزهر الشريف، حيث تتلمذ على يد كبار العلماء وعلى رأسهم الإمام محمد عبده وبعد عودته إلى سوريا عام 1903 عين إماما وخطيبا في جامع المنصوري في بلدته جبلة، حيث استطاع القسام أن يلفت إليه الانتباه بخطبه ومواعظه. وكانت أول ممارسة جهادية القسام عندما حاصر الأسطول الإيطالي السواحل الليبية عام 1911، حيث قام القسام بإثارة الجماهير وقيادة المظاهرات، وجمع التبرعات والمساعدات لمساعدة الليبيين. وتوجه إلى ليبيا حيث التقى بالمجاهد العظيم "عمر المختار" الذي جمعت بينهم العقيدة والجهاد في سبيل الله، وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وفرض الانتداب الفرنسي على سوريا، بادر القسام مع رفاقه إلى رفع راية الجهاد ضد الفرنسيين، وأخذ في شن الهجمات عليهم منطلقا من الجبال والوديان. وتم إصدار حكم الإعدام عليه غيابيا عام 1920. وأمام الوضع المتردي في سوريا آثر القسام الانتقال إلى فلسطين ومتابعة الجهاد في مكان آخر، حيث استقر في حيفا وعمل مدرسا وإماما لجامع الاستقلال، كما عمل مأذونا شرعيا لمدينة حيفا، وأسس في عام 1928 جمعية الشبان المسلمين في حيفا وانتخب رئيسا لها، ومن خلال هذه المهام المتعددة مارس القسام نشاطه الجهادي ضد اليهود والانجليز بعد أن آمن أن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لإفشال المخططات الصهيونية. وقد استشهد في 20 نوفمبر 1935.

عن حياة القسام، انظر عبد الوهاب زيتون: من ثورة المجاهد عز الدين القسام إلى ثورة أبطال الحجارة، دار المعرفة، دمشق، 1993. سميح حمود: المرجع المذكور. حسني أدهم جرار: المرجع المذكور، ص 91- 145. صفوت سيد أحمد حجازي: "عز الدين القسام مجاهد يقاتل من قبره"، آفاق عربية، عدد 561، 12 يونيو 2002 .

(16) عبد الوهاب زيتون: المرجع المذكور، ص 67- 70.

(17) عن تفاصيل ثورة القسام انظر حسني أدهم جرار: المرجع المذكور، ص 91- 145، سميح حمود: المرجع المذكور، ص 34- 129. عبد الوهاب زيتون: المرجع المذكور، ص 56- 98.


لا يوجد صور متاحة


مقالات أخرى قد تهمك