الشيخ محمد صبري عابدين

1903 - 1961

 

(1321-1318هــ) (1903-1961م)

من كتاب علماء ودعاة في بيت المقدس وأكنافه لحسني أدهم جرار "بتصرف"

تقديم

الشيخ (محمد صبري)عابدين، عالم جليل ينتسب إلى عشيرة آل عابدين في مدينة خليل الرحمن بفلسطين، كان من أعيان فلسطين، وكان أديباً ومفكرًا، ومصلحًا دينيًا واجتماعيًا، له دوره وله أثره، وكان في مقدمة النشطاء والمجاهدين في الساحة الفلسطينية، فكان عضوًا في المؤتمر العربي الفلسطيني السابع عام 1928م، والمؤتمر الإسلامي 1928م للدفاع عن المسجد الأقصى، وعضوًا في مؤتمرالتسليح المنعقد في نابلس 1931م، وعضو لجان مؤتمر الشباب العربي الفلسطيني الأول 1932م، ومن أعضاء الاجتماع الخاص 1933م لبحث مشكلتَيْ الهجرة وبيع الأراضي، وكان عضوَ مؤتمرِ علماء فلسطين الأول1935م، وعضوَ جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمؤتمر العربي القومي في بلودان 1937م، وكان عضوًا في المجلس الوطني الذي عُقد في غزة عام 1948م، وكان له دور في توعية الفلاحين في عدد من القرى بعدم بيع أراضيهم للسماسرة ولليهود.

 

مولده ونشأته ودراسته:

  ولد ( محمد صبري) في بيت المقدس عام 1903م، وكان والده قد ارْتحلَ من مدينة الخليل إلى مدينة القدس بقصد الكَسب والتجارة، ووُلد له غلام سمّاه (محمد صبري)، الذي نشأ يتيمًا؛ فقد توفي والدُه وهو صغير، والتحق بمدارس القدس وتعلّم فيها، ولقلّة دخله اضطر إلى العمل فاشتغل بالتجارة في مدينة القدس، لكن طموحَه دفعه للسفر إلى مصر للتجارة كأبناء عمومته، فسافر إلى القاهرة وعمرُه أربعة عشر عامًا تقريبًا، وعمل بالتجارة لمدة خمس سنوات، لازَمَ خلالها حلقاتِ العلم في المساجد وحضر مجالسَ العلماء وخالطهم وتعرّفَ عليهم في أوقات فراغه من العمل مما حبّب إليه طلبَ العلم فشرح الله صدره لذلك.

التحق بالأزهر الشريف عام 1922م، وصار ينفق مما ادّخره من كسبه مُظهِرًا رغبته وحرصًا شديدًا في طلب العلم والتّعلّم، وفي أواخر عام 1927م نال شهادة العالمية من الأزهر الشريف.

 

حياته العمليّة:

بعد تخرّجه في الأزهر الشريف عاد إلى فلسطين، ونزل ضيفًا على عمه الحاج عبد الجواد عابدين في حي باب حطّه بالقدس، ثم توجّه إلى مدينة خليل الرحمن ، وافتتح  فيها مدرسة الإصلاح، وقد شاركه العمل فيها عدد من العلماء والأساتذة، وكان لهذه المدرسة أثر كبير في تهذيب الأخلاق وتربية الأبناء على تعاليم الإسلام، فلاقت مدرسة الإصلاح نجاحًا عظيمًا.

وبالإضافة إلى هذا العمل عُيّن الشيخ (محمد صبري) مدرسًا في المسجد الإبراهيمي، فكان معلمًا ومرشدًا لأبناء مدينة الخليل، ونُقل الشيخ محمد صبري للتدريس بالمسجد الأقصى، وأُسند إليه بالإضافة للتدريس التفتيش والمراقبة للشؤون الدينية.

وعمل أثناء وجوده في القدس في جمعية العلماء، وجمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان له نشاط في مكافحة الصهيونية ومقاومة المستعمرين، مما أدّى إلى اعتقاله وإبعاده عن القدس عام 1936م، ولما أطلق سراحه منع من البقاء في فلسطين فأقام في القاهرة.

 وشارك في العمل من أجل فلسطين من خلال الجمعيات التي تعمل لذلك مثل جمعية الشباب المسلمين وغيرها، ولما سمح له بالدخول إالى فلسطين عاد إالى القدس ونزل في حي وادي الجوز في عام 1940م، لكن السلطات حالت بينه وبين العمل على مختلف أنواعه.

وفي عام 1944م تكونت جمعية صندوق الأمة العربية لمحاربة بيع الأراضي لليهود، فعمل بها مفتشًا عامًا لها،وظلّ يعمل قدر جهده إلى أن غادر مدينة القدس إلى القاهرة عام 1946م ليعمل مع الهيئة العربية العليا في خدمة القضية الفلسطينية والدفاع عن فلسطين.

ولما عُقد مؤتمر غزة عام 1948م، وتم اختيار المجلس الوطني الفلسطيني، كان الشيخ صبري عابدين من أبرز أعضائه.

وقد صدر له كتابان،الأول بعنوان :الجهاد في سبيل الله، والثاني بعنوان: اليهود وفلسطين(اليهود والإسلام قديمًا وحديثًا).

·    دوره في تأسيس فرع للإخوان في بيت المقدس:

ومن أبرز نشاطات الشيخ محمد صبري عابدين الدعوية دوره ومشاركته في العمل على تأسيس فرع لجماعة الإخوان المسلمين في بيت المقدس عام 1945م.

والدور الذي قام به في أثناء حفل افتتاح الفرع، فقد كان من أعضاء مجلس الإدارة، ومن أعضاء الوفد الذي استقبل فضيلة الشيخ عبد المعز عبد الستار مندوب فضيلة الإمام البنا- المرشد العام للجماعة- لافتتاح الفرع، فقد استقبلوه في المحطة يوم 5/5/1946م، وتوجهوا لزيارة المسجد الأقصى.

 

وقد عمل الشيخ محمد صبري في أثناء وجوده في القدس في جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وازداد نشاطه في مكافحة الصهيونية ومقاومة المستعمرين، مما أدى إلى اعتقاله وإبعاده إلى عوجا الحفير عام 1936م، ثم إلى صرفند،ولما أطلق سراحه مُنع من البقاء في فلسطين فأقام بالقاهرة. ولما سُمح له بالعودة، عاد إلى القدس عام 1940م. وفي عام 1944م تكونت جمعية صندوق الأمة العربية لمحاربة بيع الأراضي وإنقاذها من الصهيونية، فعمل مفتشًا عامًّا لهذه الجمعية التي حالت دون تسرب كثير من الأراضي إلى اليهود.

وفي عام 1946م دعا أحمد حلمي باشا إلى عقد مؤتمر عام في بلدة الشيخ مونس بجوار يافا، وقدّم للمؤتمر مشروع (الدونم) أي قيام كل فرد بشراء دونم وخاصة من الأراضي المهددة بالبيع، ووقف هذا الدونم حتى لا يقع أي دونم أو أرض في فلسطين في يد السّماسرة واليهود، وكان لنشاط الشيخ محمد صبري دور كبير في نجاح هذا المشروع، بإقناع الناس بالمشاركة فيه كواجب ديني ووطني.

وظل الشيخ عابدين يعمل قدر جهده وطاقته إلى أن غادر مدينة القدس إلى القاهرة عام 1946م، ليعمل مع الهيئة العربية العليا في خدمة القضية والدفاع عن فلسطين ضد أطماع الاستعمار والصهيونية.

وفي مقابلة مع السيد وحيد الجعبري قال عن الشيخ عابدين:

كان الشيخ محمد صبري عابدين من جماعة المفتي الحاج أمين الحسيني،وكان المفتي يصطحبه ويعتمد عليه في أمور كثيرة، ومن الأمور التي شاهدتها، عندما حدث خلاف عام 1948م بين المصريين والأردنيين على إدارة منطقة الخليل وبيت لحم، اتصل الحاكم العام المصري في غزة(مصطفى الصواف)، وحاكم الخليل المصري (عبد المحسن أبوالنور) بزعماء الخليل وبيت لحم، وذهب وفدٌ يضم زعماء البلدين إلى القاهرة للاتصال بالمفتي الحاج أمين في حلمية الزيتون، وذهبتُ مع الوفد برفقة والدي الشيخ الجعبري، فأرسل الحاج أمين الشيخَ محمد صبري عابدين لاستقبال الوفد والسلام عليه، ولما ذهبنا إلى بيت الحاج أمين في حلمية الزيتون للسلام عليه، كان معه الشيخ محمد صبري، والشيخ حسن أبو السعود.

 

 

وفاته يرحمه الله:

استمر جهاد الشيخ محمد صبري عابدين داخل البلاد وخارجها حتى وافاه أجله في مدينة القاهرة صباح يوم السبت الموافق 15/7/1961م، وحزن أبناء فلسطين بفقدهم عَلَمًا له مكانة مرموقة، وأديبًا عبارته مشرقة، ومفكرًا ثاقب النظرة، ومصلحًا دينيًا واجتماعيًا له أثره، ومجاهدًا صلبًا له خطره، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وعوّض الأمة العربية والإسلامية عنه خيرًا.


No Images Available